الاولون والاخرون
كان للاسلام في الماضي حضور في سياسه الدوله وفي حياه الفرد وفي معني كلمه عروبه وفي الامه العربيه كلها من المحيط الي الخليج.. وكانت الشريعه الاسلاميه هي عين القانون السائد وكانت هي التي تحكم حركه المسلم في كل الاقطار الاسلاميه في زمان الخلافه.. ولكن الاستعمار الفرنسي والانجليزي والامريكي الذي بدا يحكم اخيرا سلوك الافراد من خلال الاقتصاد الحر والعولمه تدخل في صياغه حياه المسلمين والاخوه المسيحيين علي اتساع رقعه الشرق الاوسط والشمال الافريقي والعالم كله.. وتراجع الاسلام وتراجعت معه المسيحيه الاصوليه في تقهقر منتظم خطوه بعد خطوه لتكتفي بحضور محدود في الكنيسه والمسجد ومنبر رمزي في الازهر والفاتيكان.. وانسحبت المرجعيه الدينيه الي قران محفوظ يتلي واناجيل مدونه يقدسها المسلمون والنصاري.. في بحر طام من العلمانيه المتحرره من كل الشرائع المتحلله من الاخلاق.. في شبه اجماع علي التحرر من كل المقدسات والحياه في وثنيه جديده بلا اصنام.. معبودها الوحيد.. هوي النفس ولذاتها ومشتهيات الجسد ورغائبه.. وضمير جديد لا يخشي الا القانون المدني الوضعي ولا يحسب حسابا لاي سلطه سوي سلطه الشرطه وضباط الامن.. وفيما عدا ذلك.. الدنيا لك تغترف منها كما تشائ.
وفي هذا البحر الطام تراجع الاسلام الي رقعه صغيره هي مساحه السجاده والي مخبا مستور هو القلب.. لمن كان له قلب والقي السمع وهو شهيد.
وفي قلوب هذه القله المباركه يسكن الاسلام الحقيقي التي بلغها الاعلام الالهي كاملا غير منقوص.. والله وحده يعلم تعدادها.. هل هي بضعه ملايين.. او اقل.. او اكثر.؟
وكم من هولائ اشتمل ايمانه القلب والقالب وسكن الوجدان والبنيان ؟؟ وكم منهم وقف ايمانه عند حدود القلب وقصر عن شمول الجوارح.. وكم منهم اكتفي باللسان وبالاسلام الشفوي وبشهاده لا اله الا الله
يقول ربنا عن المومنين.. وقليل ماهم
وسيظل هذا القول نافذا الي يوم القيامه..
لقد بدا الاسلام غريبا
وسيعود غريبا
ونحن الان في زمان هذه الغربه.. رغم كثره المساجد وجلبه الميكروفونات وضجيج المنابر وندائات الماذن.. وهروله المصلين.. وصراخ المتشددين.. فهم الي الان قليلون.
وهم يزدادون قله.. يوما بعد يوم.. رغم ان المسلمين يزدادون كثره في العدد والمطحنه الامريكيه تطحن من النفوس مايقبل الطحن
والمطحنه الدنيويه تذرو الباقي هبائ
والارحام تدفع
والارض تبلع..
والتاريخ ماض لا يلوي علي شيئ
هل تكون للاسلام عوده ؟؟
سوال يلح علي ذهني دواما
ربما بعد كوارث اخر الزمان حينما تزول طواغيت الدنيا
والله يختار الاصلح دائما
والنظام عند الله افضل من اللا نظام ولو كان علي راسه طاغوت..
فالفوضي شر مطلق وخراب مطلق
والله قد يترك العولمه بشرورها لانها شكل من اشكال النظام.. والنظام افضل من الفوضي.. والعلمانيه تسمح للمومن بان يومن في مواجهه اغلبيه تخالفه طالما انه يحتفظ بايمانه لنفسه ولا يتدخل في اختيارات الاخرين.. ولا يكره احدا.. وهذا لن ينقض قانون الابتلائ الكوني وسيظل المومن قادرا علي اختيار الايمان.. وفي ناموس الله وسنته الا يكره احدا علي عبادته.
ويقول ربنا عن المومنين ثله من الاولين وقليل من الاخرين اي ان الكثره من المومنين كانت للاولين.. اما الاخرون المومنون فسيكونون قله في اخر الزمان.. لان الحريات العلمانيه لن تشجع علي ايمان المومن وان كانت لن تمنعه من اختيار الايمان اذا اراد.
والله وحده يعلم كيف سيكون حال الاخرين..
ونحن ولاشك في ظروف افضل من ظروف هولائ الاخرين في اخر الزمن وفي ختام ايام الدنيا.
ولم تبلغ الروح الحلقوم بعد
ومازلنا نقول لا اله الا الله بالفم المليان ومازال يقوم بحق هذه الشهاده القادرون عليها.. وفي اقصي الارض في بلاد الشيشان من يقاتل دونها وان عدم النصير.
ومازال للطامعين في جنه الله فرصه.. لم تات بعد العلامات الكبري للساعه.. ولم تغلق ابواب التوبه..
سبحوا ربكم واعبدوه يااخوه وانتم في عافيه فلا احد يعلم متي تفاجئنا النهايه
ولا تقولوا مع الشاعر الجالس علي مائده الشراب
دعنا نعش يوما وفي العمر فسحه
وربك غفار وربكم اكرم
فلا احد يدري متي تطول هذه الفسحه.. وهل نجد فيها فسحه فعلا لنعود الي الله والي انفسنا.. ام تفجانا الزلزله فتموت في فمنا الكلمات ويطبق علينا صمت القبور.
وقصه صراع الايمان والكفر علي هذه الارض التي انتهت بغلبه الكفر وشيوع الماديه والالحاد.. هي قصه غلبه المصالح الدنيويه العاجله علي انسان قصير النظر متعجل بطبعه.
خلق الانسان من عجل(37 ـ الانبيائ) هكذا يقول ربنا.
وهذا هو الامتحان الصعب الذي طرح علي الانسان من البدايه.. لان الله كان يريد لفردوسه الصفوه وكان يريد استخلاص هذه الصفوه من الخبث الكثير.. وكان يعلم ان اكثر الناس لا يفقهون وان اكثر الناس لا يعقلون.. وان اكثرهم كالانعام بل هم اضل.. ومع ذلك اقتضت رحمته ان يعطي الجميع فرصه متساويه وان تصل كلماته وكتبه وهديه والهامه الي الجميع.
وقد وصلت كلماته وكتبه عبر الرسل والانبيائ وعبر العلمائ وعبر المطابع وعبر اجهزه الراديو والتليفزيون والانترنت بجميع اللغات وساهمت مخترعات الكفره في نشرها باكثر مما ساهمت وسائل المومنين.
واوحي الله الينا من خلال عقولنا وضمائرنا ونفوسنا وارواحنا ومن خلال ملائكته.
واقتضت عداله الامتحان ان يطلق علينا شياطينه حتي يبلغنا وسواس ابالسته مع خواطر ملائكته من جميع الجهات لنختار علي علم وعلي بينه ونفعل مايحلو لنا بعد عزم ومراوده وتدبر وتفكر.. وليجد كل منا بغيته.. الذي اراد ان يقتل واستولي عليه شيطانه تركه الله ليقتل.. والذي اراد ان يسرق واستولي عليه طمعه تركه الله ليسرق والذين اقاموا المذابح للشعوب تركوا ليباشروا الذبح علي راحتهم والظالمون ظلموا والجبارون تجبروا والسفاحون سفحوا والعلمائ عكفوا في محاريب العلم والفنانون سبحوا في سموات الالهام.
واهل الخير والصالحون والمفكرون والبنائون هواه الجمال فتح لهم ربنا كنوز الهامه والاوليائ والصوفيون تنزل عليهم بانواره.
يقول القران عن رب العزه في سوره ابراهيم
واتاكم من كل ماسالتموه(34 ـ ابراهيم)
اختار لنا ربنا من كل بستان الزهره التي تناسب سولنا والفكره التي تناسب استعدادنا وطبيعتنا.
والله مخرج ماكنتم تكتمون(72 ـ البقره)
اخرج الله منا مانكتم من مواهب ومانخفي من اطماع ومانضمر من نيات وخفايا.. لنتعرف علي فضله والهامه وهباته.. وايضا لنتعرف علي شرورنا واثامنا وخطايانا.. ولنكون علي بينه من انفسنا ومن اعمالنا.
وماجري لنا وماجري علينا يوكد ان هناك بعثا وان هناك مسائله وان هناك وقفه وان هناك خاتمه بدونها تبدو حياتنا عبثيه وتبدو دنيانا مصادفات عشوائيه بلا سياق وبلا نتيجه.
البعث حقيقه.. بدونها تفتقر الحكايه الي المعني
وكفه الحياه بدون البعث ساقطه
والبعث سوف يعيد الكفه الي اعتدالها وسوف يكشف لنا المعني والعبره والغايه من كل ماحدث, فلسنا مسرح عرائس نتحرك بالخيوط وينتهي العرض باسدال ستار.. وماكان ربنا يلهو.. تعالي ربنا سبحانه عن ذلك علوا كبيرا..
بل هناك معني وغايه من كل ماحدث
وسوف يلقي كل مجرم جزائه.
فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعه ايهم اشد علي الرحمن عتيا ثم لنحن اعلم بالذين هم اولي بها صليا وان منكم الا واردها كان علي ربك حتما مقضيا( مريم68 ـ71)
سيوتي بنا جميعا في مشهد رهيب جامع ليوقف بنا في حلقه حول الجحيم لنراها راي العين, ثم ينزع من كل شيعه ايهم اشد اجراما ويلقي به في سعيرها..
وهذا هو مشهد الورود الجامع المذكور في القران.. ثم يحتم القران بلا لبس او ابهام مجيئ ذلك اليوم كان علي ربك حتما مقضيا( مريم71)
لا كلام عن عذاب نفسي او رمزي بل هو القائ في النار ومباشره للجحيم.
وسوف يكون لنا اجسام من نوع اخر تتحمل اهوال السعير.. وسوف يتكلم اهل النار وهم في النار ويتحاورون ويتلاعنون.. كلما دخلت امه لعنت اختها(38 ـ الاعراف) انها ابدان من نوع اخر.
وسوف يكون لنا في النار حياه وطعام وشراب فياكل اهلها الزقوم ويشربون المائ الحميم
والجنه خلود ولا موت والنار خلود ولا موت
يقول ربنا عن اهل النار واهل الجنه فمنهم شقي وسعيد(104 ـ هود)
فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ماشائ ربك(105 ـ106 ـ هود)
واستثنائ المشيئه هنا لا يعلم معناه الا الله
اما الذين سعدوا ففي الجنه خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ماشائ ربك عطائ غير مجذوذ( هود ـ108)
واستثنائ المشيئه هنا لا يعني الاخراج من الجنه فالعطائ غير مجذوذ اي غير منقطع.. وربما كانت المشيئه تعني الخروج من الجنه الي جنات اخري وسماوات وحيوات متنوعه بلا انتهائ
والاخره عوالم من الاسرار يبوح القران عنها بمقدار.
ولا يصح ان نقرا ماجائ في القران بشان الاخره كما نقرا روايه خياليه او اسطوره من اساطير الف ليله.. فالقران دقيق وهو حق مطلق وصدق مطلق.. والله يتحدث عن واقع سيقع حتما وعقلنا المحدود يفهم علي قدر استطاعته دون تاويل.. فنحن هنا امام القادر بلا حدود..
والعاقل من يرتدع ويلزم حدوده دون جدل فالفارق كبير بين رب يتكلم وانسان يتكلم.. والبون شاسع بين نص بشري ونص الهي.. وبين قران محكم يتحدي ربنا بكلماته العلمائ والبلغائ.. وبين كلام مرسل ياتينا عفو الخاطر في صوره مقال او روايه.
يقول ربنا لنبيه
انا سنلقي عليك قولا ثقيلا(5 ـ المزمل)
فهو ليس اي قول.. بل هو القول الثقيل
ولو انزلنا هذا القران علي جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشيه الله( الحشر ـ21)
الجبال تتصدع من الخشيه اذا نزل عليها هذا القول.
ان القول الثقيل ليس تعبيرا مجازيا.. وانما هو امر ثقيل لا تحتمله الجبال وعبر كلمات القران تصلنا رساله يتصدع لها القلب وهو يصغي
وهذا شعور يعرفه كل مومن.
ان مباشره الكلمه القرانيه للقلب هي التي صنعت هذا الدين وهي التي اطلقت الاولين من المسلمين كالزوابع في كل ارجائ الارض.. يفتحون اقطارها يحملون معهم شعله التوحيد اينما ساروا.
كم من الاميال قطع عقبه بن نافع علي فرسه من جبال مكه الشهبائ الي اقصي الشمال الافريقي في الصحرائ الليبيه الجردائ
انها روايه من روايات الفروسيه العجيبه تخطف القلب
وكيف انطفا سراج القلب وتفرقت الامه اشتاتا لا تجتمع علي كلمه
تلك روايه الاولين والاخرين عبر قرن من الزمان.. هل تكون لهذه البطولات عوده؟!!
ذلك سوال يجيب عنه التاريخ
ولا اري لهذه الصحوه بوادر..
بل اري سحبا منذره
الا ان يشاء ربي امرا.